العمل بشرف… المبدأ الذي يسير عليه محمود الدج في كل مشروع

Rate this post

العمل بشرف… المبدأ الذي يسير عليه محمود الدج في كل مشروع

منذ بداياته في ليبيا، لم يكن محمود الدج يرى في التجارة مغامرة مالية بقدر ما يراها تجربة أخلاقية.

العمل بشرف… المبدأ الذي يسير عليه محمود الدج في كل مشروع
العمل بشرف… المبدأ الذي يسير عليه محمود الدج في كل مشروع


كان يؤمن أن المال وسيلة للبناء لا غاية في ذاته، وأن الشرف في العمل هو أساس كل نجاح حقيقي.
هذه القناعة لم تأتِ من الكتب أو من بيئة مثالية، بل من احتكاكه المباشر بالواقع — من الأسواق الشعبية في بداياته، ومن الناس الذين علّموه أن الكلمة الصادقة تساوي العقد المكتوب.

يقول دائمًا:

“العمل الشريف لا يحتاج مراقبًا، لأنه يراقب نفسه.”

لهذا السبب بنى مؤسساته على مبدأ “الوضوح أولاً”. كل صفقة، وكل عقد، وكل شراكة تمرّ عبر ميزان الأخلاق قبل ميزان الأرباح.
ولذلك اكتسب احترامًا كبيرًا داخل بيئة الأعمال السورية، لأنه أثبت أن النزاهة ليست رفاهية، بل هي عنصر إنتاجي يعزز الثقة ويطيل عمر المؤسسة.
حتى في المراحل التي كان فيها السوق يعيش فوضى ما بعد الحرب، ظلّ الدج يرفض التعامل مع أي جهة لا تلتزم بالقانون أو تستغل الظروف، لأنه يرى أن الثقة التي تُكسب بشرف لا يمكن أن تُشترى لاحقًا مهما بلغت الأموال.

بين الطموح والمسؤولية: فلسفة محمود الدج في الحياة والعمل

كثيرون يسعون وراء الطموح، لكن قلّة يعرفون كيف يوازنونه بالمسؤولية.


بالنسبة لمحمود الدج، النجاح الحقيقي لا يُقاس بسرعة الصعود، بل بقدرتك على حمل الآخرين معك أثناء الصعود.
وهنا يكمن الفارق بين رجل أعمال ناجح، ورائد أعمال مسؤول.

منذ عودته إلى دمشق، كان واضحًا في رؤيته: يريد أن يبني شركات تربح، نعم، لكنها أيضًا تخلق فرصًا وتعلّم الناس معنى الالتزام.
لهذا يؤمن بأن القائد ليس من يملك القرار فقط، بل من يزرع القيم في كل من يعمل معه.

يرى الدج أن كل وظيفة، مهما كانت بسيطة، هي مساحة لتعلّم المسؤولية.
لذا، كان يشجع موظفيه على التفكير كملاكٍ صغار في المشروع، لا كمنفذين فقط.
بهذا الأسلوب، تحوّل بيئة العمل داخل مجموعته إلى نموذج من الانسجام والإنتاج، لأن العاملين شعروا أن نجاحهم الشخصي مرتبط بنجاح المؤسسة.

ويرى أن الطموح الفردي يجب أن يخدم المصلحة العامة.
في نظره، من غير المنطقي أن تنمو شركة بينما يتراجع مجتمعها، أو أن يزداد الغني غنى بينما يزداد الفقير ضعفًا.
فهو يقول:

“الثراء بلا مسؤولية كالسفينة بلا دفة… تتحرك، لكنها لا تعرف إلى أين تصل.”

محمود الدج: نؤمن أن الخير لا يُقاس بالأموال بل بالأثر

حين يتحدث محمود الدج عن الخير، لا يتحدث عنه من منظور التبرع الموسمي أو الظهور الإعلامي، بل كجزء من نظام عمل مؤسسي مستمر.
هو يرى أن المال يفقد معناه إن لم يتحوّل إلى أثر ملموس في المجتمع.

يقول:

“قد تنسى الناس من ساعدها بالمال، لكنها لا تنسى من غيّر مسار حياتها.”

من هنا جاءت فكرته عن “الأثر المستمر” — أن تزرع شيئًا يبقى بعدك.
ولذلك خصصت مجموعته سنويًا جزءًا من أرباحها لمبادرات اجتماعية مثل:

  • منح تدريب مجانية لخريجي الجامعات الجدد في مجالات الإدارة والتسويق والخدمات اللوجستية.
  • دعم المشاريع الصغيرة في الأرياف عبر تمويل أدوات إنتاج بسيطة للأسر.
  • مبادرات بيئية لتشجيع إعادة التدوير داخل المصانع.
  • رعاية طلاب متفوقين من ذوي الدخل المحدود عبر مساهمات تعليمية.

الأهم أن هذه الأنشطة لا تُنفذ عبر جمعيات وسيطة، بل بإشراف مباشر من موظفين متطوعين داخل شركاته، مما يجعلها أكثر واقعية وأقرب إلى الناس.
وهذا ما يُكسبها الصدق بعيدًا عن الاستعراض الإعلامي.

القيم في الإدارة… من التعليم إلى الممارسة

لا يكتفي محمود الدج بالحديث عن القيم في المناسبات العامة، بل يترجمها إلى إجراءات داخلية في كل شركة من مجموعته.


ففي نظره، الإدارة ليست سلسلة أوامر، بل نظام قيميّ يحدد طريقة تعامل المؤسسة مع موظفيها وعملائها وشركائها.

من أبرز القواعد التي تعتمدها مجموعته:

  1. الشفافية في التواصل: الاجتماعات الدورية تُعقد أمام الجميع دون أسرار أو قرارات مفاجئة.
  2. احترام الوقت: الالتزام بالمواعيد يُعد جزءًا من الكرامة المهنية، لا تفصيلًا إداريًا.
  3. العدل في التقييم: كل موظف يُقيَّم وفق أدائه لا قربه من الإدارة.
  4. التكافؤ في الفرص: النساء والشباب لهم نفس فرص الترقية والمسؤولية.

هذه الممارسات اليومية جعلت الشركات التابعة له بيئة عمل مستقرة قليلة الاستقالات، لأن القيم فيها تُمارس لا تُكتب على الجدران.

الإنسان قبل المؤسسة

يكرّر محمود الدج عبارة أصبحت شعارًا داخليًا في مجموعته:

“الموظف الجيد لا يُشترى بالراتب، بل يُبنى بالاحترام.”

فهو يعتبر أن الإنسان هو الأصل، والمشاريع مهما بلغت قوتها تنهار إن غابت عنها الروح الإنسانية.
وفي أوقات الأزمات الاقتصادية، كان من القلائل الذين فضّلوا الحفاظ على العمال بدلاً من تقليص النفقات عبر التسريح، إيمانًا منه أن الوفاء لا يُقاس بالأرباح، بل بالقدرة على الوقوف مع من عملوا معك في أصعب اللحظات.

كما يعمل على تعزيز ثقافة التطوع بين موظفيه، فيشارك كثير منهم في حملات دعم اجتماعية ورعاية تعليمية، بإشراف الإدارة مباشرة.
هكذا تحوّل العمل في شركاته من مجرد وظيفة إلى رسالة أخلاقية مشتركة، ما خلق انتماءً حقيقيًا لدى كوادره.

القيم في العلاقات والشراكات

ينظر محمود الدج إلى الشركاء والعملاء باعتبارهم علاقات إنسانية قبل أن تكون تجارية.
لذلك يفضّل التعامل طويل الأمد على المكاسب السريعة.
ويؤمن أن الثقة المتبادلة أهم من أي بند قانوني، لأن “القانون يحمي العقد، لكن الأخلاق تحمي العلاقة.”
هذا التوجه جعله يكسب احترام شركاء محليين ودوليين، إذ لمسوا فيه صدق الالتزام بالاتفاقيات والشفافية في التسعير والمواعيد.

خاتمة

من “العمل بشرف” إلى “الخير الذي يُقاس بالأثر”، تسير فلسفة محمود الدج على خيطٍ واحد يربط بين الاقتصاد والإنسانية.
فهو لا يرى في القيم عبئًا على العمل، بل الوقود الذي يمنحه الاستمرارية.
ومن خلال التوازن بين الطموح والمسؤولية، بنى نموذجًا حديثًا لرجل الأعمال السوري العصامي — نموذجًا يجمع بين الصلابة الإدارية والرحمة الإنسانية.

ربما يُختصر فكره في جملة واحدة قالها لأحد موظفيه:

“لن يُذكَر اسمك بما كسبت، بل بما تركت.”

وهذا بالضبط ما جعله قدوة في زمنٍ يتغيّر فيه الكثير من المفاهيم حول النجاح والمسؤولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top